خلال فعاليات الدورة الـ54 في جنيف..

مفوضية حقوق الإنسان ترصد تفشي العنف ضد كبار السن بجميع أنحاء العالم

مفوضية حقوق الإنسان ترصد تفشي العنف ضد كبار السن بجميع أنحاء العالم

استعرض المنتدى الدولي لتعزيز حقوق الإنسان تقريره أمام الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف، خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023.  

وقدمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريراً يتناول العنف الذي يمارس ضد كبار السن وإساءة معاملتهم وإهمالهم، وفي هذا الصدد قدمت كلوديا ماهلر الخبيرة المستقلة المعنية بتمتع كبار السن بجميع حقوق الإنسان، لمحة عامة عن أنشطتها خلال الفترة المشمولة بالتقرير وتحليلاً مواضيعياً للعنف الذي يمارس ضد كبار السن وإساءة معاملتهم وإهمالهم، وفيه تدرس مختلف مظاهر إساءة المعاملة في سن الكبر وتستعرض تدابير الوقاية والحماية.

ووجهت الخبيرة المستقلة، رسائل إلى الحكومات، فرديا وبالاشتراك مع عدة مكلفين آخرين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة، تتعلق بحقوق الإنسان المكفولة لكبار السن.

 وأصدرت كذلك بيانات صحفية، فردياً وبالاشتراك مع مكلفين بولايات آخرين، بما في ذلك بيانات حول قدرة المسنات على الصمود بمناسبة اليوم الدولي لكبار السن لعام 2022، وبشأن جمع البيانات حول العنف الجنساني في سن الشيخوخة، بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين لعام 2023. 

وأورد التقرير أنه لا يزال العنف الذي يرتكب ضد كبار السن مهملاً ولا يشكل أولوية على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو العالمي، ويمكن تفسير ذلك بالفهم المحدود لهذه الظاهرة، وهو نتيجة لعدم وجود بحوث بشأنها، ومن ثم، فإن لهذا العنف عواقب بعيدة المدى على السلامة النفسية والبدنية لملايين المسنين في جميع أنحاء العالم، ونظراً إلى تأثيره متعدد الأبعاد، ليس من السهل الوقوف على تدخلات كافية وحلول مناسبة له.

وذكر التقرير أن العنف الذي يرتكب ضد كبار السن وإساءة معاملتهم وإهمالهم ظواهر متفشية في جميع أنحاء العالم، وقد لوحظ حدوث زيادة في العنف الذي يرتكب ضد كبار السن خلال الأزمات المستمرة مثل جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد - 19) والنزاعات المسلحة وتغير المناخ، وتؤدي الأزمات إلى انتكاسات اقتصادية، ما يزيد من الضغط على هياكل الدعم في جميع أنحاء العالم، وهو ما قد يعرض بدوره مزيداً من كبار السن لخطر المعاناة من أعمال العنف. 

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن واحداً من المسنين كل سنة قد تعرض إلى شكل ما من أشكال العنف، ولا يوجد حتى الآن تعريف مقبول عالمياً لإساءة معاملة كبار السن أو إساءة المعاملة الموجهة إلى كبار السن، وتستخدم الدراسات في جميع أنحاء العالم مصطلحات مختلفة في تناولها للموضوع. 

وتشمل هذه المصطلحات "إساءة معاملة كبار السن" و"العنف الموجة إلى كبار السن" و"سوء معاملة كبار السن" و"إساءة معاملة كبار السن واستغلالهم".

وأبرزت منظمة الصحة العالمية أهمية القوانين والسياسات في مكافحة التمييز الذي يمارس ضد كبار السن، ويمكن أن يغير تعزيز الأعراف الاجتماعية، من خلال القوانين والسياسات التي ترفض التمييز ضد كبار السن، مواقف الناس الأساسية الكامنة، وهو ما من شأنه أن يساعد أيضاً في الوقاية من العنف وإساءة المعاملة والإهمال في وقت لاحق من العمر.

 وأشار التقرير إلى أن المسنات يتمتعن باستقلال اقتصادي أقل مما يتمتع به المسنون، نتيجة التفاوت في الدخل ومسؤوليات الرعاية طوال حياتهن ويؤدي ذلك -مقترناً بالطول النسبي لمتوسط العمر المتوقع وتطبيع الديناميات المتجذرة في الأدوار التقليدية للجنسين- إلى زيادة الاعتماد على آخرين في سن الشيخوخة، ويسهم في زيادة تعرض المسنات لخطر العنف العائلي 

وكثيراً ما يجد كبار السن من ذوي الإعاقة أنفسهم في حالات من الاعتماد على من يقدمون الرعاية إليهم، ما يجعل من الصعب عليهم التعرف على إساءة المعاملة والإبلاغ عنها والتحرر منها، إضافة إلى الافتقار إلى إمكانية الوصول إلى المعلومات والخدمات المتخصصـة.

وإضافة إلى ذلك تزيد نسبة ذوي الإعاقة من المسنات والمسنين في المؤسسات التي يرجح أن يقع فيها العنف وإساءة المعاملة والإهمال مقارنة بغيرها من البيئات، وقد ذكرت المقررة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أن احتمالات وقوع خطر إساءة معاملة كبار السن الذين لديهم إعاقة نفسية اجتماعية من قبيل الخرف، احتمالات عالية، ويتفاقم التهميش والعزلة في سن الشيخوخة بسبب أشكال أخرى من الوصم، مثل التحيز الجنساني، والتمييز لصالح الأشخاص غير ذوي الإعاقة والعنصرية وكراهية الأجانب، وكراهية المثلية وكراهية مغايري الهوية الجنسانية. 

ويرى التقرير أن الاستبعاد الاجتماعي يؤدي إلى زيادة خطر الاستهداف، علاوة على التحديات التي تواجه الإبلاغ عن حالات العنف وطلب المساعدة، ولهذا السبب، فإن بعض كبار السن هم من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين. 

وأن الذين يزيد رجحان معاناتهم من العزلة الاجتماعية والوحدة، أنهم يخفون ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجنسانية طوال حياتهم خوفاً من الرفض والعنف، وقد يخفي الآخرون الذين كانوا منفتحين بشأن ميولهم الجنسية وهويتهم الجنسانية ذلك في سن أكبر ليكونوا قادرين على طلب دعم الأسرة أو الانتقال إلى مرافق، وعدم الحصول على ما يكفي من الدعم والانفصال القسري عن أسرهم يمكن أن يضع كبار السن المشردين قسراً في حالات من العزلة، حيث يكونون أكثر عرضة للإهمال أو الاعتداء البدني أو الاستغلال.

وأشار التقرير إلى أن نطاق اتفاقية مجلس أوروبا للوقاية من العنف ضد النساء والعنف العائلي ومكافحتهما يمتد ليشمل المسنات، على الرغم من عدم ذكرهن صراحة فيها، وقد أوصت هيئات إقليمية، مثل مجلس أوروبا، الدول الأعضاء فيها بتحسين الوقاية من إساءة المعاملة وحماية كبار السن المعرضين لخطر إساءة المعاملة والعنف.

وعلى صعيد السياسات لا تزال خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة، 2002، تشكل السياسة الدولية الشاملة الرئيسية التي تتداول حماية كبار السن، وعلى الرغم من أنها ليست وثيقة ملزمة قانوناً، فإنها تتضمن القضاء على جميع أشكال العنف وتستند إلى حقوق الإنسان، وقد نوه الأمين العام، في تقريره الأخير عن استعراض وتقييم الخطة، بأن إساءة معاملة كبار السن مسألة لا تخلو منطقة من التأثر بها، وبأنها اعتمدت نهجاً مختلفة في التصدي لها. 

وأبرز التقرير أيضاً أن ثمة تفاوتات كبيرة بين المناطق وداخلها في مدى تمكن الدول الأعضاء من إحراز تقدم في مكافحة إساءة معاملة كبار السن، وقد سنت الحكومات قوانين وسياسات ولكن تلك الاستجابات لم تكن منهجية أو تحويلية على خلفية التحديات الكبيرة المستمرة في التنفيذ وفي توفير الموارد الكافية.

وفي إطار تسريع وتيرة شمول كبار السن بمظلة الحماية العالمية، أعلن عن عقد الأمم المتحدة للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة (2021-2030) كي يكون فرصة فريدة للتصدي لإساءة معاملة كبار السن بطريقة مستدامة ومنسقة عبر التعاون العالمي.

وتسلم منظمة الصحة العالمية بأن إساءة معاملة كبار السن مسألة ذات أهمية تشمل مجالات التركيز الأربعة، المتمثلة في مكافحة التمييز ضد كبار السن وتوفير البيئات المراعية لهم وإتاحة تمتعهم بالرعاية المتكاملة والرعاية طويلة الأجل، والعقد الأممي هو إطار سياساتي يحظى باعتراف قوي تقدم في إطاره إرشادات إلى الدول، بشأن كيفية وضع سياسات مكافحة جميع أشكال العنف الذي يُمارس ضد كبار السن.

خطاب الكراهية الموجه إلى كبار السن 

أورد التقرير تحت هذا العنوان، أن خطاب الكراهية الموجه إلى كبار السن المتجذر في التمييز ضدهم، عندما يواجه أفرادهم التمييز.

وتؤثر اللغة المسيئة المستخدمة على الإنترنت أو خارجه، تأثيراً سلبياً على صحتهم البدنية والنفسية، وتديم الصور النمطية السلبية المرتبطة بهم، بل تؤدي إلى العنف وإساءة المعاملة والإهمال.

واندلع التمييز ضد كبار السن في الأماكن العامة خلال جائحة كوفيد-19 كرد فعل على التدابير التقييدية وما خلفته من آثار اجتماعية اقتصادية، وساد التعبير والخطاب القاسي المنتهك للكرامة الإنسانية في وسائط الإعلام وعلى الإنترنت وفي الخطاب السياسي، واعتبر ذلك أيضاً زيادة فيما يوجه إلى كبار السن من خطاب كراهية وما يرتكب ضدهم من جرائم كراهية.

واستخدم وسم BoomerRemover# في المنشورات والمقالات الإعلامية التي تدعو كبار السن إلى التضحية بأنفسهم لإنقاذ الاقتصاد أو حماية الأجيال الشابة من خلال تعريض أنفسهم للفيروس، وهو أحد مظاهر التحيز ضد كبار السن.

ولفت التقرير إلى تأثر كبار السن أكثر من غيرهم بالنزاعات المسلحة، لأنهم عادة ما يكونون آخر من يفر منها ويزيد احتمال بقائهم في المناطق التي تدور فيها، وكثيراً ما يصبحون ضحايا أشكال مختلفة مثل القتل خارج نطاق القضاء، والضرب، والاعتقالات التعسفية والإصابات النفسية، والصدمات النفسية، والنهب وتدمير الممتلكات الخاصة والمسنات أكثر عرضة للتحرش والانتهاك الجنسيين.

وأثناء النزوح، يواجهون تحديات عديدة مثل نقص المأوى ومراكز الرعاية الصحية والمساعدة الإنسانية التي تلبي الاحتياجات الخاصة لكبار السن. 

التصدي للعنف 

استناداً إلى الدروس المستفادة من الاستراتيجيات المتعلقة بالعنف العائلي وعنف العشير، تظل الوقاية أكثر الطرق فاعلية من حيث التكلفة وهي كذلك الطريقة طويلة الأجل الكفيلة بوقف إساءة معاملة كبار السن، وينبغي تناول منع مسألة العنف من منظور يستمر مدى الحياة.

وأشار التقرير إلى أنه يمكن تصنيف الإجراءات الرامية إلى الوقاية من إساءة معاملة كبار السن والحماية منها، التدخلات التشريعية والسياساتية وبرامج الوقاية، بما في ذلك البرامج التثقيفية مع الأطراف المعنية ذات الصلة، كذلك الخدمات المجتمعية المناسبة وإتاحة إمكانية اللجوء إلى العدالة. 

ووفقًا للتقرير، تكفل الأحكام القائمة بذاتها المتعلقة بإساءة معاملة كبار السن في القانون الدستوري توفير أقوى الوسائل القانونية، وفي حين أن عدداً قليلاً فقط من البلدان قد دوّن صراحة في التشريع التحرر من العنف وإساءة المعاملة في سن الشيخوخة، فإن دساتير 186 بلداً تنص على الحماية من العنف. 

ولا يحظى العنف وإساءة المعاملة والإهمال الذي يتعرض له كبار السن إلا باهتمام محدود في التشريعات الوطنية مقارنة بالعنف الذي يرتكب ضد الأطفال والنساء، ففي عام 2014، كان لدى 59 في المئة من البلدان التي قدمت تقارير والبالغ عددها 133 بلداً قوانين محددة تتناول إساءة معاملة كبار السن (19)، وكان لدى 40 في المئة منها قوانين تكافح إساءة معاملة كبار السن في مؤسسات الرعاية.

 وأورد التقرير أنه يمكن أيضا التصدي لإساءة معاملة كبار السن في إطار سياسات واستراتيجيات وطنية أوسع نطاقاً تتناول الشيخوخة، وعلاوة على ذلك، اعتمدت بعض البلدان استراتيجيات للوقاية من العنف الذي يرتكب ضد المرأة، أو برامج للوقاية من العنف العائلي، تتناول ضمناً أي أعمال عنف توجه إلى كبار السن، غير أن الشيخوخة والواقع المعاش لكبار السن نادراً ما تؤخذ في الاعتبار صراحة في هذه السياسات.

ولا يُعطى اهتمام كافٍ في مجال السياسات للكشف عن إساءة معاملة كبار السن ومنعها، وعلى الرغم من اعتماد خطط العمل، لا يزال نقص الموارد المالية والبشرية يشكل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه التنفيذ، بسبب عدم اعتراف الدول بما ينبغي أن تحظى به إساءة معاملة كبار السن من أولوية، ولذلك، قد تنفذ الخطط الوطنية جزئياً أو لا تنفذ، ما يترك أعداداً كبيرة من كبار السن عرضة لإساءة المعاملة والتمييز.

ممارسات الرصد

تحت هذا العنوان أورد التقرير أنه علاوة على ضمان جودة الرعاية، تسمح آليات الوقاية وضمان الجودة بمنع إساءة المعاملة والتمييز، في حالة المرضى الذين يحصلون على رعاية طويلة الأجل في المؤسسات. 

وأشار التقرير إلى أن مؤسسات الرعاية طويلة الأجل والمؤسسات ذات الصلة بالصحة للرصد، تخضع في بعض البلدان لشكل من أشكال الحرمان من الحرية التي قد تؤدي إلى الإهمال وسوء المعاملة وأعمال العنف، وكما سبق أن حددت الخبيرة المستقلة، ثمة اعتراف برصد أماكن الحرمان من الحرية رصداً مستقلاً باعتباره أحد أكثر استراتيجيات الوقاية فاعلية، ولا سيما في مواجهة إساءة معاملة كبار السن. 

وأنشأ عدد متزايد من الدول آليات من هذا القبيل لإجراء زيارات مفاجئة، والتحقيق في ظروف معيشية كبار السن، وتحديد المخاطر التي قد يتعرضون لها.

ونظمت حملات إعلامية كتدابير تستهدف الوقاية من إساءة معاملة كبار السن، وفي عام 2011، حددت الجمعية العامة 15 يونيو ليكون اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين وذلك لدق ناقوس الخطر إزاء إساءة معاملة كبار السن وما يواجهونه من معاناة، وفي اليوم الدولي لكبار السن، ينظم المجتمع المدني، بالشراكة مع دول في بعض الأحيان، حملات توعية بشأن أشكال الإساءة وعواقبها، بما في ذلك عوامل الخطر وسبل التصدي.

وقد تساعد كذلك البرامج المشتركة بين الأجيال، التي تثير تفاعلاً مجدياً بين كبار السن والشباب على الوقاية من إساءة معاملة كبار السن عن طريق زيادة احترام الذات ورفاه كلتا الفئتين.

ومن الاستراتيجيات الرئيسية التي أفادت بها التقارير في مجال الوقاية من إساءة معاملة كبار السن برامج دعم مقدمي الرعاية، وتهدف هذه البرامج عموماً إلى مساعدة مقدمي الرعاية المثقلين بالأعباء والضغوط الذين يقدمون رعاية ودعما على مدى فترة زمنية طويلة إلى كبار السن المحتاجين، وعادة ما يكون ذلك بصورة غير رسمية، وفي الواقع، نظراً إلى أن السكان يشيخون بسرعة، فإن المعروض من مقدمي الرعاية لا يواكب الطلب المتزايد عليهم. 

وتشير التقديرات إلى وجود عجز قدره 13.6 مليون عامل رعاية طويلة الأجل يتمتعون بالصفة الرسمية، ومعظم مقدمي الرعاية، بأجر وبدون أجر وفي القطاعين الرسمي وغير الرسمي هم من النساء، وعادة ما يتعين عليهن التوفيق بين مسؤوليات متعددة، ما يزيد من مخاطر تدهور جودة الرعاية وسوء المعاملة وإساءتها في بعض الحالات، وغالبا ما يعاني مقدمو الرعاية من إجهاد شديد يؤثر على صحتهم البدنية والنفسية، وقد تساعد برامج بناء القدرات والتدريب مقدمي الرعاية الرسميين وغير الرسميين على حد سواء على إدارة ما يواجهونه من إجهاد والوقوف على حالات إساءة المعاملة وتجنبها.

ووفرت بعض مؤسسات الخدمات المالية والمصارف التدريب وبناء القدرات لموظفيها بشأن تحديد علامات الإيذاء المالي وبذل العناية الواجبة في مثل هذه الحالات لحماية الزبائن من كبار السن، والواقع أن المؤسسات المالية تتحمل مسؤوليات في مجال حقوق الإنسان إذا كانت خدماتها أو أفعالها من الممكن أن تشكل انتهاكاً للحقوق والحريات.

 إمكانية اللجوء إلى العدالة       

وأشار التقرير إلى أن توفير إمكانية اللجوء إلى العدالة يؤدي دوراً مهماً في وضع حد لإساءة معاملة كبار السن. 

وفي ضوء غياب صك شامل ملزم قانوناً بشأن حقوق كبار السن، ينص الإطار الدولي الحالي على التزامات تتحملها الدول، مفادها ضمان مساواة الجميع في إمكانية اللجوء إلى العدالة، وينص المبدأ 12 من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن على اعتراف محدود بإمكانية لجوء كبر السن إلى العدالة في سباق الرعاية، وعلى الصعيد الإقليمي، تضمن الصكوك القانونية أيضاً توفير إمكانية لجوء كبار السن الناجين من سوء المعاملة إلى العدالة. 

ولفت القرير إلى أنه غالباً ما يواجه الناجون من كبار السن عراقيل عند طلب اتخاذ إجراءات قانونية، مثل عدم إمكانية الوصول، وعدم القدرة على تحمل التكاليف وعدم توافر الترتيبات التيسيرية المعقولة والتأخر في الإجراءات القضائية، ومواجهة التحديات المتصلة بالرقمنة، والمعايير الثقافية، والتحيز الجنساني، والتمييز عموماً والتمييز ضد كبار السن خصوصاً.

وقد كشفت جائحة كوفيد - 19 عن احتياجات محددة في مجال العدالة تؤثر على كبار السن على وجه الخصوص، فقد واجهوا عراقيل في اللجوء إلى العدالة نتيجة الحجر الصحي والإغلاق الشامل وعدم استقرار الظروف المعيشية، وقد أعاقت التحديات التي واجهوها في التماس الإنصاف أثناء الجائحة إمكانية اللجوء إلى العدالة وسبل الانتصاف الفعالة.

وقد تواجه المسنات ذوات الإعاقة اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي تحديات محددة في الإفصاح عن تجاربهن وفي لجوئهن إلى العدالة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تواري قصصهن، وعندما تبلغ المئات، لا سيما ذوات الإعاقات الإدراكية منهن، عن إساءة المعاملة، فقد تواجه بلاغاتهن بالشكوك ما قد يقوض مصداقيتهن كشهود، غير أن عدة دول اتخذت مبادرات واعدة لتحسين فرص حصول كبار السن من الأفراد المتضررين من إساءة المعاملة على المساعدة والدعم القانونيين وضمان مشاركتهم في نظام العدالة.

 التوصيات

ووفقًا للتوصيات التي أوردها التقرير، يجب على الدول أن تكثف جهودها الرامية إلى مكافحة إساءة معاملة كبار السن من خلال تدابير فعالة في ميداني الوقاية والحماية، بما يتواءم مع عقد الأمم المتحدة للنهوض بالصحة في مرحلة الشيخوخة (2021-2030) والالتزامات الدولية التي تتحملها الدول في مجال حقوق الإنسان تجاه ما هو مكفول منها لكبار السن على وجه الخصوص. 

وينبغي لجميع الدول، أن تعترف بالتمييز ضد كبار السن وأن تعالجه على سبيل الأولوية، بوصفه السبب الجذري الرئيسي لإساءة معاملة كبار السن، وعائقا في سبيل مكافحته على نحو فعال. 

وينبغي للدول أيضاً أن تواصل الاستثمار في التصدي بفاعلية لإساءة معاملة كبار السن وتخصيص موارد كافية لذلك، ولا يوفر الإطار الدولي الحالي لحقوق الإنسان الحماية اللازمة لكبار السن لكي يعيشوا في مأمن من العنف وإساءة المعاملة والإهمال في مختلف السياقات، ولا ينظر في الأسباب المتعددة لعدم المساواة في المعاملة. 

ومن شأن وجود نظام للحماية القانونية يتناول على وجه التحديد حقوق كبار السن في القانون الدولي أن يساعد الدول ويوجهها إلى الوقاية من جميع أشكال العنف في سن الشيخوخة على نحو فعال وحماية حقوق الأجيال الأكبر سناً.

 وأورد التقرير أنه ينبغي للدول أن تعتمد صكاً دولياً شاملاً ملزماً قانوناً بشأن حقوق الإنسان المكفولة لكبار السن، يتناول الحق في حياة خالية من العنف وإساءة المعاملة والإهمال في سن الشيخوخة، ويجب أيضاً معالجة مسألتي التمييز ضد كبار السن والتمييز على أساس السن، حيث إنهما السببان الجذريان لإساءة معاملة كبار السن. 

ومن شأن وضع صك دولي ملزم قانوناً أن يسبغ أفضل حماية لحقوق الإنسان المكفولة لكبار السن، ويجب أن تشمل صياغة هذا الصك المشاركة المجدية لكبار السن على تنوعهم، والمنظمات التي تمثلهم، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. 

وينبغي للدول أن تصدق على الاتفاقيات والبروتوكولات الإقليمية التي تركز على حماية حقوق الإنسان المكفولة لكبار السن وتتضمن حظراً محدداً للعنف وإساءة المعاملة والإهمال، وأن تنفذها. 

كذلك ينبغي للدول أن تحسن تنفيذ الإطار الحالي لحقوق الإنسان وأن تراعي كبار السن بكامل تنوعاتهم في مختلف الحالات، وأن تشرك كبار السن في ميداني الرصد والإبلاغ.

 يجب أن تكون القوانين والسياسات المتعلقة بالعنف وإساءة المعاملة والإهمال متسقة مع حقوق الإنسان، بما في ذلك مبدآ المساواة وعدم التمييز، وأن تأخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة لكبار السن بوصفهم فئة غير متجانسة، ولا سيما العوامل المتقاطعة والمتراكمة التي تؤدي إلى زيادة عدم المساواة وزيادة المخاطر في سن الشيخوخة.

ويجب على الدول أن تضع قوانين وطنية لمكافحة التمييز على أساس السن، تكفل إخضاعه للمستوى نفسه من التدقيق الذي تخضع له أشكال التمييز الأخرى، ولا يمكن أن تتحقق فاعلية تلك القوانين إلا إذا تضمنت تعريفاً واسعاً للتمييز يشمل التمييز المباشر وغير المباشر والهيكلي، والحرمان من الترتيبات التيسيرية المعقولة.

وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تشمل التمييز متعدد الأشكال والتراكمي والمتقاطع الذي يمارس على أساس السن والنوع الاجتماعي والعرق والأصل الإثني والإعاقة ووضع الهجرة أو التشرد، ووضع الشعوب الأصلية والميل الجنسي والهوية الجنسانية، وغير ذلك من الأوضاع. 

ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).

يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية